ما يجري بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وأهل غزة حتما ليس حربا، ولا توصف بالحرب العادلة، فهي بالتأكيد حرب إبادة جماعية من طرف الصهاينة لكل سكان غزة بكل ما يعنيه هذا المفهوم من أبعاد، حيث لها العديد من صور الإجرام والعنصرية والبعد عن الإنسانية، ونورد بعضا مما يقترفه الصهاينة بحق الفلسطينيين عموما وأهل غزة خصوصا:
أولا- وقبل كل شيء، يجب أن نتعرف على تعامل الصهاينة مع القضية الفلسطينية تاريخيا وباختصار، والخيارات التي كانت متاحه لهم، وما الذي اختاروا أن يمارسوه بالتحديد؟
إسرائيل ومنذ احتلالها الكامل للأراضي الفلسطينية بعد عام 1967 حتى توقيع اتفاقيات السلام عام 1993، كان خيار الدولة الديموقراطية الكبرى الموحدة متاحا لها، أي ان تجعل الفلسطينيين واليهود مواطنين على قدم المساواة في بلد واحد، لكنها لم تفكر فيه أبدا، ولم يكن خيارا مطروحا للنقاش، لأسباب عديدة منها عنصرية اليهود وعدم احترامهم للديموقراطية، والنفاق الغربي.
أما الخيار الثاني الذي كان مطروحا فهو «خيار الدولتين»، والذي على أساسه تم توقيع اتفاقيات السلام بين المنظمة الفلسطينية وإسرائيل أوائل التسعينيات، لكن الإسرائيليين لم يلتزموا بهذا الخيار، لا مع السلطة الفلسطينية، ولا مع المبادرات العربية اللاحقة التي دعمت حل الدولتين مقابل التطبيع العربي مع الكيهان الصهيوني.
لذلك اتجه الإسرائيليون إلى الحل الثالث وهو «الفصل العنصري»، فنجد إسرائيل طبقت نظام التمييز العنصري بكل وضوح على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة أخرى، بل حاصرتهم وتحكمت فيما يصل إليهم من مساعدات وما يقدم لهم من خدمات كالماء والكهرباء، كما صادرت حقهم في السفر حتى ولو كان لتلقي العلاج، وكانت مظاهر الفصل العنصري والحصار المطبق ولسنوات أكثر وضوحا في تعامل إسرائيل مع قطاع غزة!
حتما لم يمنع هذا السلوك الإسرائيلي المجرم أهل قطاع غزة من استمرار المقاومة ورفض الاحتلال والحصار، وكان آخر مظاهر الرفض عملية طوفان الأقصى المستمر لأكثر من عام كامل.
بعد إفشال حل الدولتين اتجهت إسرائيل نتنياهو إلى الخيار الخطير جدا وغير الإنساني هو ما يطبق حاليا في قطاع غزة وإذا نجح سيطبق على الضفة الغربية ايضا، واقصد خيار «التطهير العرقي»، أي التخلص من الفلسطينيين وبالتالي من قضيتهم!
يؤكد عالم السياسة المشهور جون مارشيامر John J. Mearsheimer في معرض توصيفه لما تقوم به قوات الاحتلال من اعمال عنف بعد عملية طوفان الاقصى 7 أكتوبر 2023 بأنها اعمال تنطبق عليها كل عناصر «التطهير العرقي»، والذي يبدأ عادة بقتل أكبر عدد ممكن من السكان دون تمييز بين المدنيين والأطفال والنساء وكبار السن، ومن ثم الانتقال إلى تخريب المكان بحيث يستحيل العيش فيه، فلا يجد الناس مأوى ولا غداء ولا دواء، وأخيرا يضطر من تبقى منهم حيا لمغادرة أرضه، وهذا بالضبط ما يفعله الإسرائيليون من قصف أغلب المباني على رؤوس ساكنيها وهدم المستشفيات وقطع الكهرباء والماء عن قطاع غزة ومنع دخول المساعدات.
هذا الخيار الخطير القائم على «التطهير العرقي» مازال مستمرا، لكنه لم يحقق النجاح بسبب صمود أهل غزة بطريقة بطولية وغير واقعية.